يصف الكاتب أليكس دي وال المجاعة بأنها أكثر من مجرد هزال جسدي، بل انهيار اجتماعي شامل. المجاعة تعني أن تبحث العائلات عن الطعام بين القمامة، أن تطهو المرأة طعامها خفية عن أقاربها الجائعين، وأن تُباع مجوهرات الأمهات مقابل وجبة واحدة. المجاعة تُذل وتُحط من الكرامة وتُجرد الناس من إنسانيتهم، والمشاهد في غزة اليوم تُجسد هذه المعاناة، بحسب ما يشير الكاتب.

الجارديان توضح في تقريرها أن ما يسمى بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، المدعومة أمريكيًا وإسرائيليًا، تُقدم نفسها كجهة احترافية تقدم المساعدة، وتفتخر بتوزيع أكثر من مليوني وجبة يوميًا من خلال أربعة مراكز توزيع "آمنة". لكن الكاتب يرى أن هذا المشهد المنمق لا يصمد أمام أي تحليل جاد، ويعرض أربع نقاط رئيسية تكشف زيفه.

 

أولًا: الأرقام لا تكفي

حسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO) في أبريل، بعد 18 شهرًا من الحصار وحربين، تراجعت كميات الغذاء في غزة إلى نصف الحد الأدنى المطلوب للبقاء. مليونا وجبة يوميًا لا تكفي لتغطية احتياجات سكان غزة. ويؤكد الكاتب أن هذه المساعدات أبطأت المجاعة قليلًا، لكنها لم توقفها.

 

ثانيًا: المجاعة لا تُعالج بالأرقام فقط

توزيع الطعام لا يصل إلى الفئات الأشد احتياجًا. مواقع توزيع GHF تقع جميعها في مناطق عسكرية، يُفتح بعضها لفترات قصيرة وبإشعار محدود. من يرغب بالحصول على الطعام، يضطر للتخييم وسط الأنقاض والركض إلى البوابة وسط احتمالات عالية للتعرض لإطلاق النار من الجيش الإسرائيلي، الذي يستخدم الذخيرة الحية لتفريق الجموع.

الأمهات والمرضى وكبار السن يُستثنون من هذه المعادلة، فيما يسيطر المجرمون أو القادرون جسديًا على الطعام. توزيع المساعدات يخضع لقانون الغابة، لا لقانون الإنسانية.

 

ثالثًا: المساعدات لا تناسب الاحتياجات الفعلية

رزم الطعام تحتوي على دقيق وزيت وطعام جاف، لكنها تفتقر لأطعمة علاجية مخصصة للأطفال المصابين بسوء تغذية حاد، مثل "بلامبي نَت". كذلك، لا يوجد طاقم طبي متخصص، ولا توصيل للغذاء أو الماء. في ظل تدمير محطات التحلية ونقص الوقود، لا تجد الأمهات ماءً أو وسيلة للطهي سوى حرق القمامة.

 

رابعًا: الكرامة الإنسانية مغيبة بالكامل

المساعدات الحقيقية تحترم المجتمعات التي تُخدمها، تُعزز كرامتها وتُشركها في عملية التوزيع. أما ما يحدث في غزة، فيُحطم النسيج الاجتماعي ويُذل الناس أمام عائلاتهم وأطفالهم. الهدف – بحسب الكاتب – ليس فقط تجويع الفلسطينيين بل تدمير مجتمعهم، وكل ذلك مع محاولة إسرائيل تجنّب تهمة الإبادة الجماعية باستخدام مؤسسة غزة الإنسانية كغطاء.

ينهي الكاتب مقاله بالتأكيد أن ما نشهده ليس مجرد كارثة إنسانية بل جريمة تُنفذ بغطاء إنساني زائف. توزيع المساعدات يتحول إلى أداة لتبرير سياسة التجويع الممنهجة بحق الفلسطينيين، وعلى العالم أن يرفض هذه الأكاذيب الممنهجة.
 

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jul/26/israel-food-starvation-gaza-famine-aid